-
حوار حول مشروع «الوطن العربي الكبير»
يبدو أن موضوع الأسبوع الماضي ألقى بحجر ضخم في بحيرة آسنة، فتحرك ماؤها وقلت ملوحتها، وخفَّت رائحتها الكريهة، ورطبت أرضا أماتها الجفاف، وندرة الماء، وشدة القحط؛ كأن أصحابها فروا يأسا أو هربوا اعتزالا للحياة.. فلا أخذ، ولا عطاء، ولا عمل.. فذهبت الأفكار، واعتلت الرؤى.. ويبدو أن سبب هذا التفاعل يعود إلى طَرْق أبواب «مشروع الوطن العربي الكبير» أو «الشرق العربي الجديد»، في مواجهة «مشروع الشرق الصهيوني الجديد» المسمى الحقيقي لمشروع «الشرق الأوسط الجديد» أو الكبير.
توالت ردود الأفعال والآراء، وتتابعت النقاشات وتبادل الأفكار من داخل مصر وخارجها؛ بالبريد الألكتروني وعبر الهاتف.. وكلها اتفقت على جدوى الموضوع وأهمية طرحه في الظروف الراهنة، وإن اختلفت التفاصيل؛ الكل شدته الفكرة النقيض لفكرة «الشرق الصهيوني الجديد»، وتنفيذه قائم على قدم وساق، وكأنه لا يعني أحدا من العرب؛ حكاما ومحكومين.. أو أنه جاء استجابة لقرار صادر عن مؤتمر قمة عربية!!.. وهدفه ليس دمج الدولة الصهيونية في المحيط الإقليمي فحسب، إنما تمكينها من المنطقة؛ بما عليها من بشر وبقر وشجر، وبما في جوفها من ثروات ومعادن.. وما في بحورها من أحياء مائية وأصداف ولآلئ ونفط وغاز، فضلا عن استخداماتها كطرق بحرية وممرات مائية.. وبما في أجوائها من طيور ومجال لحركة الطيران والصواريخ المتعددة الأنواع والأشكال والقوة.. مع طمس شخصية المنطقة وهويتها الوطنية والقومية والثقافية والدينية والتاريخية، وتحويلها إلى فسيفساء ثقافية ولغوية وعرقية؛ تتنافر وتتباغض وتتقاتل، ويبيد بعضها بعضا.
واتخذت الآراء والمناقشات مسارات، وكانت الغلبة للمسار الأكاديمي لأساتذة وعلماء ومفكرين مصريين وشوام وعراقيين.. ويبدو أنهم وجدوا في الفكرة فرصة لاستكشاف أبعاد مشروع بدا جامعا؛ بعيدا عن المشروعات المعلبة سابقة التجهيز من داخل الأجهزة والمعامل السرية في واشنطن ولندن وباريس وبرلين وتل أبيب.. وتحمل نفس الوصفة القديمة التي قضت على الامبراطورية العثمانية في مطلع القرن العشرين، وتسببت في انهيار الامبراطورية السوفييتية في نهايته.
وتعلمنا من الحياة أن النهضة تصنعها الإرادة، وقد غابت تماما عن العقل السياسي العربي.. وتستمر هذه النهضة وتصمد إذا ما كانت ملبية للمطالب والاحتياجات العامة والخاصة والاستراتيجية، وإذا ما اعتمدت على عقول وطاقات وسواعد وأفكار وإبداعات وخبرات العرب، مع ضرورة الاحتكاك والاطلاع والاستفادة من إنجازات المتقدمين، واقتحام مجالات الرعاية والكفاية والكفاءة والتقدم العلمي والقوة الشاملة؛ اقتصادية وعسكرية وبشرية وتعليمية وروحية ومجتمعية، مع مقاومة الاستغلال ومحاربة الفساد.. واستعادة مكامن القوة الغائبة، وتجاوز مواطن الضعف الغالبة.
ويرجع سبب الاهتمام بإعادة طرح «العروبة» مجددا كإطار ووعاء جامع، »وعروة وثقى؛ حضارية وثقافية وروحية وتاريخية ولغوية»؛ يرجع إلى ما بدا فيها من إمكانية انتشال »القارة العربية» من التردي الذي تعاني منه ويوشك أن يقضي على ما تبقى منها.
وتجنبت قدر الإمكان الوقوع في شراك الخلط بين العمل الفدائي والمقاومة من جهة، وأعمال الإرهاب الدموي والعنف المُجَرَّم من جهة أخرى؛ مهما كانت المغريات والظروف الملتبسة التي تزين الباطل وتلبسه لبوس الحق وتشَوَّش الأفكار وتطمس الحقائق.. وحسن النية قائم ومتوفر فيمن كتب وعلق واتصل عارضا وجهة نظره ومبديا رأيه.. وتأكد ذلك من تجشم عناء الكتابة، وصدق الطرح، وصراحة التحفظات.. وهذه روح جددت الأمل في قرب انبلاج الفجر بعد ظلام الليل الطويل.
واخترت ثلاث شخصيات؛ اثنان من مصر، والثالث من العراق.. وللصدف أنهم جميعا أكاديميون.. أولهم د. يحيى القزاز المتخصص في الجيولوجيا، ومن مؤسسي حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، وكذلك من مؤسسي الحركة المصرية للتغيير »كفاية»؛ ويرى من وجهة نظره أن القيمة الأولى للمقال الماضي أنه محاورة مع مخالف في الرأي، وقيمته الثانية أنه اثرى الفكرة وإبرز أهميتها، وأشار إلى أن مشروع «الوطن العربي الكبير» »يستحق التقدير قبل فوات الأوان، كطرح مقابل وبه مكافئ موضوعي في مواجهة الشرق الصهيوني الكبير المدعو بالشرق الاوسط الجديد»، ورأى أن »الموضوع جدير بالمناقشة الجدية ومن زوايا مختلفة وبعقليات واعمار مختلفة، ومن الجميل والمثير لليقظة اهتمام الكاتب بالتفاصيل التي لا يغرق فيها القارئ فيتوه ولا تكون خطوطا عريضة لا تفي بالغرض، وتترك الباب مواربا للتأويل، فالكاتب حزم موضوعه كما يحزم الحطاب حزمة الحطب التي جمعها بتعب في قيظ الصيف حتى لا يسقط منها عود واحد اثناء حملها والعودة بها، واطلق اسما معبرا لأول مرة حيث اسماها القارة العربية مقارنة بالقارة الأوروبية، واعتمد منهجية الإحصاء من حيث المساحة وتعداد السكان وعدد دول القارتين، وهي مقارنة ومنهجية موفقة وجديدة، وارى انه لا بد من استكمال الموضوع ويا ليت يستخدم التعليقات والتعقيبات المتفقة والمعارضة».. وقد لفت القزاز النظر إلى التعقيب الذي كتبه استاذ الطب د. محمود عبد الغني على المقال وتناول فيه عقبات تقف حجر عثرة أمام قيام الوطن العربي الكبير، مع عرض أحداث تاريخية موثفة، ويرى القزاز »حتى وان صحت فارى لزاما على الكاتب أن يناقشه لسببين الأول أن الوقائع المذكورة حقائق حتى وإن شكك فيها البعض والثاني أن ذِكرَها يثير الاحباط»، ومن جانبي سأعمل على مناقشتها في حدود ما تسمح به المساحة مع احتمال التوسع مستقبلا.
واعتبر القزاز أن المقال الماضي »صار حجر عثرة امامه واوقف مشروع مقال له تتفق خطوطه العريضة» مع ما ورد فيه ورأى أن المقال جاء بتفاصيل وتناوُل أكثر اتساعا وتمكنا، حسب قوله، وتمنى ان يكون مقاله قد سبق، اما وقد حدث فلقد أعفاه هذا من كتابة مقال بدت قيمته في عنوانه، وهو: «الطليعة العربية الجديدة»، بعد أن لاحظ ان معظم المهتمين بقضايا العروبة قد تجاوزت اعمارهم الخمسينات إن لم يكن الستينات، »هذا يعني ان العروبة راحلة بحكم السن طالما لا توجد طليعة عربية شابة تهتم بها»، وأبدى الأسف من انتشار ظاهرة التغريب، وتقليد الغرب والاعتماد عليه، وضياع الهوية العربية في دول النفط العربي.. وتليها الدول الاخرى، وهو ما يهدد بانقراض العروبة، والأمم تنقرض كما تنقرض فصائل الحيوانات، وتصير اثرا بعد عين، ويرى أن »الطليعة العربية الجديدة» ركيزة اساسية لمشروع الوطن العربي الكبير، وعوامل نجاحة متوفرة وسهلة، وتكمن في الإيمان بالفكرة والإخلاص لها، لتوافر شروطها الاساسية المتمثلة في التاريخ والجغرافيا واللغة والموروث الثقافي، ولم يختلف ذلك كثيرا عما جاء في رسالة استاذ الطب د. محمود عبد الغني.. وإن اختلفت النتيجة.
وبقدر تفاعل القزاز مع الفكرة اهتم عبد الغني بالكشف عن الوجه الآخر لها، وبدا سلبيا في مجمله.. وهذه حقيقة لكنها لا تبعث على اليأس.. فطريق المبادئ والقضايا الكبرى وعر؛ لا يُفرش عادة بالورود.. ولا تجوز فيه المصادرة على حق الغير إذا ما عمل على علاج السلبيات التي يراها، ما دام قادرا على ذلك.. مع الاعتراف بتردي الأوضاع العربية وحاجتها إلى جهود استثنائية للنهوض.. وصولا إلى ما انتهت إليه الرسالة بـ»ما فيش فايدة».. وهي نتيجة تحتاج لمساحة ووقت أكبر.. في ظروف ضاقت فيها الصدور وعم فيها التعصب..
وحديثنا متصل بإذن الله مع ما كتبه د. محمود عبد الغني.. ومع رسالة الأكاديمي العراقي المتقاعد د. أبو ليث علي الرفاعي.
٭ كاتب من مصر يقيم في لندن
محمد عبد الحكم دياب30 marzo، 2016 / mdm24press / Comentarios desactivados en حوار حول مشروع «الوطن العربي الكبير»
Categories: آخر الأخبار, الرأي
حصاد والحموشي ينسقان مع إسبانيا ضد الإرهاب صفقة سريّة بين النظام السوري و»داعش» حول تدمر
Recent Posts
- قنصل ” تاراغونا” تسلم العلم الوطني لقيادة الحرس المدني
- الرئيس الجزائري يجعل من الكراهية اتجاه المغرب “محددا أساسيا” لهويته ونهجه السياسي
- الوداد يهزم الرجاء في الديربي
- بعد تنامي ظاهرة سلب الأطفال… قنصلية برشلونة تحتضن يوما تحسيسيا
- “وسيط المملكة”: 482 تظلم من مغاربة الخارج
- المؤسسات المنتخبة بالصحراء تسقط عن «البوليساريو» أكذوبة «التمثيلية»
- إغلاق جميع المنافذ أمام البوليساريو
- البرلمان الأوروبي يرفع الحصانة عن الانفصالي بوتشيمون
- الجزائر ..الاستماع لوزير النقل الأسبق في قضية فساد
- السينغال..دعوة أفراد الجالية المغربية للهدوء وتوخي الحذر
Comments are currently closed.